فصل: الشاهد التاسع والعشرون بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن ولاية الفضل على بونة:

كان السلطان عقد على بونة منذ أول دولته لمولاه مسرور المعلوجي فقام بأمرها فاضطلع بولايتها وكان من الغلطة ومراس الحروب بمكان وكان مع ذلك غشوما جبارا وخرج إلى ولهاصة سنة فاضطرهم ونهضوا إلى مدافعته عن أموالهم فحاربهم وبلغ خبر مهلكه إلى السلطان فعقد على بونة لإبنه أبي العباس الفضل وبعثه إليها وولى على حجابته وقيادة عسكره ظافر السنان من مواليه المعلوجين فقام بما دفع إليه من ذلك أحسن قيام إلى أن كان من أمرهم ما نذكره.

.الخبر عن واقعة الرياس وما كان قبلها من مقتل الأمير أبي فارس أخي السلطان:

كان السلطان أبو بكر لما قدم إلى تونس قدم معه إخوته الثلاثة محمد وعبد العزيز وعبد الرحمن وهلك عبد الرحمن منهم وبقي الآخران وكانا في ظل ظليل من النعمة وحظ كبير من المساهمة في الجاه وكان في نفس الأمير أبي فارس تشوق إلى نبل الرتبة وتربص بالدولة وكان عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق من فحول بني مرين وأعياص ملكهم قدم على الحضرة نازعا إليها من الأندلس فنزل على ابن عمر ببجاية قبيل مهلكه سنة ثمان عشر وسبعمائة ثم لحق بالسلطان فلقاه مبرة ورحبا ووفر حظه وحظ حاشيته من الجرايات والاقطاع وجعل له أن يستركب ويستلحق وكان يستظهر به في مواقف حروبه ويتجمل في المشاهد بحركاته بما كان سيدا في قومه وكان قد انعقدت له بيعة على أهل وطنه وكانت فيه غلظة وأنفة وإباء وغدا في بعض أيامه على الحاجب بن سيد الناس فتلقاه الإذن بالعذر فذهب مغاضبا ومر بدار الأمير أبي فارس فحمله على ذات صدره من الخروج والثورة وخرجا من يومهما في ربيع سنة سبع وعشرين وسبعمائة ومرا بعض أحياء العرب فاعترضهما أمير الحي فعرض عليهما النزول فأما عبد الحق فأبى وذهب لوجهه إلى أن لحق بتلمسان وأما الأمير أبو فارس فأجاب ونزل وطيروا بالخبر إلى السلطان فسرح لوقته محمد بن الحكيم من صنائعه وقواد دولته في طائفة من العسكر والنصارى فصبحوه في الحي وأحاطوا ببيت نزله فامتنع من الإلقاء باليد ودافع عن نفسه مستميتا فقتلوه قعصا بالرماح وجاؤا بشلوه إلى الحضرة فدفن بها.
ونزل عبد الحق بن عثمان على أبي تاشفين حين نزل ورغبه فيما كان بسبيله من مطالبة الدولة الحفصية وتدويخ ممالكها ووفد على أثر حمزة بن عمر ورجالات سليم صريحا على عادتهم فأجاب أبو تاشفين صريخهم ونصب لهم محمد بن أبي عمران وكان من خبره أنه تركه السلطان اللحياني عاملا على طرابلس فلما انهزم أبو ضربة وانحل أمره استقدمه العرب وأجلبوا به على الحضرة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة فملكها ستة أشهر ثم أجفل عنها عند رجوع السلطان إليها ولحق بطرابلس إلى أن انتقض عليه أهلها سنة أربع وعشرين وسبعمائة وثاروا به وأخرجوه فلحق بالعرب وأجلبوا به على السلطان مرارا ينهزمون عنه في كلها.
ثم لحق بتلمسان واستقر بها عند أبي تاشفين في خير جوار وكرامة وجراية إلى أن وصل هذا الوفد إليه سنة تسع وعشرين وسبعمائة فنصبه للأمر بأفريقية وأمدهم بالعساكر من زناته عقد عليهم ليحيى بن موسى من بطانته وصنائع أبيه ورجع معهم عبد الحق بن عثمان بمن في جملته في بنيه وعشيرته ومواليه وحاشيته وكانوا أحلاس حرب وفتيان كريهة فنهضوا جميعا إلى تونس فزحف السلطان للقائهم وتراءى الجمعان بالرياس من نواحي هوارة آخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة فدارت الحرب واختل مصاف السلطان وأفلت جموعه وأحيط به فأفلت بعد عصب الريق وأصابته في حومة الحرب جراحة وهن لها وقتل كثير من بطانته وحاشيته كان من أشهرهم محمد المديوني وانتهب المعسكر وتقبض على أحمد وعمر ابني السلطان فاحتملا إلى تونس حتى أطلقهما أبو تاشفين بعد ذلك في مراسلة وقعت بينه وبين السلطان فاتحه فيها أبو تاشفين وجنح إلى السلم وأطلق الإبنين ولم يتم شأن الصلح من بعد ذلك وتقدم ابن أبي عمران بعد الواقعة إلى تونس فدخلها في صفر سنة ثلاثين وسبعمائة واستبد عليه يحيى بن موسى قائد بني عبد الواد وحجب التصرف في شيء من أمره ثم عاد يحيى بن موسى إلى سلطانه ونهض السلطان أبو بكر من قسنطينة إلى تونس بعد أن استكمل الحشد والتعبية فأجفل ابن أبي عمران عنها ودخل إليها السلطان في رجب من سنته إلى أن كان ما نذكره.

.الخبر عن مراسلة ملك المغرب في الاستجاشة على بني عبد الواد وما يتبع ذلك من المصاهرة:

كان السلطان أبو بكر لما خلص من واقعة الرياس نجا إلى بونة وركب منها البحر إلى بجاية وقد ضاق ذرعه بالحاح بني عبد الواد على ممالكه وتجهيز الكتائب على ثغره وترديد البعوث إلى وطنه فأعمل نظره في الوفادة على ملك المغرب السلطان أبي سعيد ليذكره ما بين سلفه وسلفهم من السابقة وما لهم عند بني عبد الواد من الأوتار والإحف ليبعث بذلك دواعيهم علة مطالبة بني عبد الواد: فيأخذ بحجزتهم عنه.
ثم عين للوفادة عليه ابنه الأمير زكريا وبعث معه أبا محمد عبد الله بن تافراكين من مشيخة الموحدين لسانا لخطابه ونجيا لشواره وركبوا البحر من بجاية فنزلوا بمرسى غساسة واهتز صاحب المغرب لقدومه وأكرم وفادته واستبلغ في القرى والاجارة وأجاب دعاءهم إلى محاربة عدوهم وعدوه على شريطة اجتماع اليد عليها وموافاة السلطان أبي سعيد والسلطان أبي يحيى بعساكرهما تلمسان لموعد ضربوه لذلك.
وكان السلطان أبو سعيد بعث سنة إحدى وعشرين وسبعمائة يحيى الرنداحي قائد الأسطول بسبتة إلى مولانا السلطان أبي بكر في الإصهار على إحدى كرائمه وشغل عن ذلك بما وقع من شأن ابن أبي عمران فلما وفد عليه ابن السلطان وأولياؤه أعاد الحديث في ذلك وعين للنيابة عنه في الخطبة من السلطان إبراهيم بن أبي حاتم العزفي وصرفه مع الوفد فوافوا السلطان بتونس آخر سنة ثلاثين وسبعمائة وقد طرد عدوه وشفى نفسه فجاؤه بأمنيته من حركة صاحب المغرب على تلمسان وخطب منه إبراهيم للأمير أبي الحسن ابن السلطان أبي سعيد فعقد على ابنته فاطمة شقيقة الأمير أبي زكريا السفير إليهم وزفها إليه في أساطيله سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة وأنفذ بزفافها من مشيخة الموحدين أبا القاسم بن عتو ومحمد بن سليمان الناسك وقد مر ذكره فنزلت على وثير من الغبطة والعز وكان الشأن في مهرها وزفافها ومشاهد أعراسها وولائمها وجهازها كله من المفاخر للدولتين ولم يزل مذكورا على الأيام.